أخبارالرئيسيةثقافة و فن

قهر الزمان وقسوة الاقارب

تقاذفت أمواج الحياة المتلاطمة ” البشير ” الذي ظل على مرور خمسة عقود ملازما لوالدته التي كان وحيدها بعد وفاة والده ” الجيلالي ” بائع الفحم بالحي بفعل داء السل اللعين .
ظلت ” عائشة ” تلازم دكان بيع الفحم لضمان كسب عيشها و ابنها و اداء واجب كراء الدكان و البيت المتواضع بالطابق العلوي لفائدة نظارة الاحباس .
التحق ” البشير ” بالمدرسة ، وكانت معاناته النفسية عميقة مع رفقائه الذين كانوا يعيرونه بأمه بائعة الفحم ولا ينادونه الا بلقب ” ولد امي غولة ” ، عقده النفسية اردته كثوما منعزلا دائم العبوس ، لكن عطف مدرسه الاستاذ ” الحطاب ” عوض معاناته النفسية تميزا في الدراسة والتفوق عن جميع اقرانه في الفصل .
اجتاز ” البشير ” الشهادة الابتدائية بتفوق والتحق بالمستوى الاعدادي ، تكلف الاستاذ ” الحطاب ” بتسجيل ” البشير ” و ابنه ” حسن ” بنفس القسم باحدى الاعداديات بالقرب من مسكنه ، بعيدا عن زملائه القدامى ، ظل ” البشير ” يرافق ” حسن ” الى منزله ولا يعود للبيت عند والدته ” عائشة ” الا مساء ، الشيء الذي خفف الكثير من العبء عليها .
ظل ” البشير ” يتردد يوميا على منزل الاستاذ ” الحطاب ” رفقة ابنه ” حسن ” واحيانا تقوم ” عائشة ” بمساعدة زوجة الاستاذ بأشغال المنزل خلال نهاية الأسبوع حيث توطدت العلاقة بينهما .

مع تراجع مدخول دكان الفحم و تزايد نفقات ” عائشة ” خصوصا مع ارتفاع متطلبات الحياة و حاجيات ” البشير ” اقترحت ” خديجة ” زوجة الاستاذ ” الحطاب ” على ” عائشة ” تغيير نشاط تجارتها ليتناسب و موقع الدكان المتميز مع ادخال اصلاحات عليه وانها ستدعمها بقرض لتمويل راسمال المشروع ، تم الاتفاق على نشاط بيع الفواكه الطازجة لعدم تواجد دكان متخصصة في بيعةهذا النوع من الفواكه بالحي ، قدمت ” عائشة ” طلبا لنظارة الاوقاف لإدخال اصلاحات طفيفة على المحل التجاري حظي بالموافقة و حصلت على رخصة للاصلاح من البلدية و باشرت اصلاح الدكان .
استلفت ” عائشة ” من صديقتها مبلغ خمسة آلاف درهم لإعداد رفوف المتجر و شراء بعد اللوازم و اقتناء الدفعة الأولى من الفواكه الطازجة .
باشرت بائعة الفواكه الطازجة نشاطها الذي غير خدشات نفسية لازمت ” البشير ” التلميذ ابن “عائشة ام غولة ” الذي اصبح طالبا بالسنة الاولى ثانوي علمي في حين انتقل ” حسن “زميله للدراسة بالمدينة المجاورة في غياب تخصص دراسته بالشعبة التقنية بالمدينة ، اصبح ” البشير ” احيانا ينوب عن والدته بالمتجر خصوصا خلال نهاية الاسبوع و فترات العطل خصوصا مع تقدم سنها و ظهور علامات العياء عليها بفعل مرض الروماتيزم الذي ألم بها من شدة رطوبة الدكان.
عرفت تجارة ” عائشة ” رواجا مهما بالحي مما مكنها من تسديد دينها المترتب عليها من قرض زوجة الاستاذ” الحطاب ”

و توسيع سلعها لتشمل انواع اخرى من الفواكه الطازجة .
اجتاز ” البشير ” امتحانات البكالوريا شعبة علوم تجريبية و نجح بميزة حسن و تزامن مع ولوج والدته ” عائشة ” مجلس غرفة التجارة كمستشارة بعد ان اصر تجار سوق الجملة للخضر و الفواكه ان تتقدم للانتخابات المهنية بحكم سمعتها و مروؤتها .
خلال العطلة الصيفية قام ” البشير ” رفقة والدته و ابن خالته الذي قدم من القرية مسقط راس ” عائشة ” بتدبير نشاط الدكان التي توسعت دائرة رواجه التجاري ، حيث فكرت ” عائشة ” و ابنها في ادماج ابن اختها ” سيمحمد ” للعمل معها خصوصا و ان ” البشير ” سيغادر مع بداية السنة الدراسية للدراسة بالمدرسة العليا الاساتذة بالدار البيضاء والتي نجح فيها باحتلاله الرتبة الخامسة .
مع بداية السنة الدراسية غادر ” البشير ” للدراسة بالدارالبيضاء وظل “سيمحمد ” يقطن مع خالته ويساعدها بالمتجر مقابل اجر شهري زيادة على التكفل بحاجياته من مسكن و مأكل ، نجح ابن اخت ” عائشة ” في مهمته الجديدة و تقوت علاقات ام ” البشير ” بالغرفة التجارية و لدى مهنيي بيع الخضر و الفواكه وحصلت على مستودع للفواكه الطازجة بسوق الجملة الجديد بضواحي المدينة و اصبحت لها كلمة مسموعة في صفوف تجار الخضر و الفواكه كان نجاحها مبهرا على طول الاربع سنوات من انتسابها للغرفة المهنية ، كما كان النجاح حليفا لوحيدها ” البشير ” الذي عين استاذا لعلوم الحياة و الارض باحدى ثانويات عروس الشمال .
وحدة ” البشير ” دفعته للتفكير في الزواج لكن اصرار الوالدة ” عائشة ” كان غير ذلك ، خصوصا لما اخبرها بانه تعرف على احدى زميلاته و يرغب في الارتباط بها ، دعته الوالدة لعدم التسرع ، خلال عطلة الربيع قرر ” البشير ” عدم الالتحاق بوالدته و اغتنم الفرصة للإستجمام بإحدى المنتجعات برحلة جماعية رفقة ” حورية ” زميلته ، فكانت المفاجئة لما حصل شجار بين ” حورية ” و أحد اعضاء المجموعة بالرحلة و الذي حكى ل ” البشير ” قصته مع ” حورية ” ونصبها عليه كخطيب سابق لها و استيلائها على كل حاجياته و هداياه لها ، كتم ” البشير ” القصة و اعتبرها كيدية ، خصوصا وأن ” حورية ” انكرت كل شيء جملة و تفصيلا .
ظل الشك يخامر ” البشير ” و كلمات الام “عائشة ” بالتريت ترن في اذنيه كلما التقى بالقرينة المستقبلية .
ألحت ” حورية ” على ” البشير ” بضرورة التعجيل بالخطوبة وظل يسوفها لعدم استعداده المادي و انتظار موافقة الوالدة ، امام اصرار ” حورية ” فاتح ” البشير ” والدته في الموضوع من جديد ، فطلبت منه زيارة اسرة ” حورية ” بالشمال او قدومها عندنا لنستأنس بها و اعتبرت ” عائشة ” ان ” الزواج كالتجارة ينبني على المعرفة الجيدة و الصدق و الاخلاص فهما عقود و العقود مواثيق كما كان يقول والدك رحمة الله عليه” .
قرر ” البشير ” زيارة اسرة ” حورية ” ليقطع الشك باليقين ، فظلت ” حورية ” تسوفه الى حين اعترافها انها تقيم لوحدها لكون والدها متوفى و انها على خلاف مع والدتها و اخوانها ، فارتفع منسوب شك ” البشير ” وعرض عليها من جديد زيارة والدته ” عائشة ” رفقتها لترتيب امور الخطبة و الزواج ، فوافقت ، تمت زيارة ” عائشة ” التي ظل في صدرها شيء من حتى بخصوص ارتباط فلذة كبدها بالوافدة الجديدة .
بعد اخد و رد ولعدم كسر خاطر الاستاذ ” البشير ” وافقت الوالدة على مضض ، مساء خرجت ” عائشة ” رفقة الخطيبين عند بائع المجوهرات لشراء خاتم الخطوبة ، فكان المفاجئة الكبرى التي قسمت ظهر بعير ارتباط ” البشير ” ب ” حورية ” و اكدت صدق احساس الوالدة ” عائشة ” .
عند ولوج محل المجوهرات تم اختيار الخاتم بعناية من طرف الخطيبة و عند التفاوض بخصوص الثمن ، فاجىء صاحب المحل ” حورية ” بكون الخاتم مشابه للخاتم الذي اشترته منه رفقة خطيبها لما كان بعروس الشمال وانه انتقل حديثا لهذه المدينة ، نفت ” حورية ” الامر وارجعت ذلك للشبه ، لكن كونه كان يمارس تجارة المجوهرات بطنجة اثار شكوك ” البشير ” و امه ، واصر الجواهري على كلامه و تناول سجلا من قمطره وراح يبحث عن اسماء الزبناء و نوع الخاتم فوقع بصره على اسم المعنية ، فخاطبها ” تذكرتك سيدتي ، ألست ” حورية البحري ” و رقم بطاقتك ….” ، انبهر الجميع و غادروا المحل وصدقت فراسة ” عائشة ” و أبت نخوة ” البشير ” ان تظل ” حورية ” زميلته بالثانوية يكن لها الاحترام و يلتمس لها الاعذار من قهر الزمان و قسوة الاقارب .
الجديدة في 2022/11/10

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button